خلال أواسط القرن التاسع عشر أجرى الراهب النمساوي وعالم الأحياء جريجور مندل سلسلة من التجارب على الوراثة، حيث درس في حديقة ديره السمات الوراثية في نبات البطاطس. وقادت نتائج هذه التجارب مندل إلى صياغة أول نظرية صحيحة عن الوراثة، تكونت من مبدأين سميا قانونَيْ مندل للوراثة. يتكون قانون مندل الأول، والذي يسمى قانون الانعزال، من ثلاثة أجزاء هي 1- تحدد وحدات منفصلة (تسمى الآن المورثات) الخصائص الوراثية 2- توجد هذه الوحدات في أزواج 3- تنعزل (تنفصل) مورثتا كل زوج أثناء انقسام الخلايا الجنسية، وتستقبل كل نطفة أو بيضة مورثة واحدة من كل زوج.
ويسمى قانون مندل الثاني قانون التوزيع الحر. وينص هذا القانون على أن كل زوج من أزواج المورثات يتصرف بمعزل عن الآخر أثناء إنتاج الخلايا الجنسية، ولذلك يورث كل زوج بمعزل عن الأزواج الأخرى. ويعرف علماء الوراثة الآن أن التوزيع الحر لا ينطبق إلا على المورثات التي توجد في صبغيات مختلفة، أو التي توجد على مسافات متباعدة في نفس الصبغي. أما المورثات المرتبطة، أو التي توجد قريبة بعضها من بعض في نفس الصبغي، فتورَّث معًا.
ميلاد علم الوراثة. نشر مندل تقريرًا عن عمله في عام 1866م. وظل هذا التقرير مجهولاً حتى عام 1900م عندما أعاد ثلاثة علماء نبات أوروبيين، كل على حدة، اكتشافه أثناء تجاربهم حول الوراثة. فقد أجرى هؤلاء العلماء ـ وهم الهولندي هوجو دو فريس، والألماني كارل كونز، والنمساوي إيريخ فون تشيرماك ـ تجارب على استيلاد النباتات، وتوصلوا، كل على حدة، إلى نفس ما توصل إليه مندل من نتائج.
وتلا ذلك عدد من الاكتشافات الوراثية الهامة. فخلال أوائل القرن العشرين، اكتشفت مجموعة من العلماء بجامعة كولومبيا في نيويورك سيتي، بقيادة توماس هنت مورجان، عددًا من المبادئ الوراثية المهمة. وقد درس مورجان ومجموعته، التي تألفت من كالفن بريدجز وهيرمان مولر وألفرد ستيرتفانت، توارث سمات مثل لون العيون وشكل الأجنحة في ذبابة الفاكهة، وبينوا أن المورثات توجد في الصبغيات، وصمموا أول خريطة وراثية، وأوضحوا انتقال المورثات عبر الصبغيات الجنسية، واكتشفوا التعابر. وفي عام 1931م، أوضحت عالمة الأحياء الأمريكية باربارا ماكلنتوك أن التعابر ينطوي على تبادل عضوي لمادة الصبغيات.
مع تحيات....ابوووومصر