جاء الانباء والرسل ..يدعون للتوحيد لله
سمعنا كثيرا كلمة التوحيد..ولكن كثير يجهل معنى التوحيد..
نقول في توحيد الله، أن الله واحد لا شريك له، لا في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته.
فلا خالق غيره، ولا رب سواه، ولا رازق ولا مالك ولا مدبر لهذا الوجود إلا هو، ونوحّد الله في أفعاله سبحانه، كما نوحده بأفعالنا أيضاً.
فنوحده في عبادتنا وقصدنا وإرادتنا، فلا معبود بحق إلا هو سبحانه فنشهد كما شهد الله لنفسه، والملائكة، وأولوا العلم، قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، مثبتين ما تثبته هذه الكلمة العظيمة من تجريد العبادة لله وحده ولوازمها وواجباتها وحقوقها، نافين ما تنفيه من أنواع الإشراك والتنديد وتوابعه.
ونؤمن بأن الغاية التي خلق الله تعالى الخلق لها: (عبادته وحده) كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) [الذاريات:56].
وندعو إلى توحيده سبحانه في جميع أنواع العبادة، من سجود أو ركوع أو نذر أو طواف أو نسك أو ذبح أو دعاء أو تشريع أو غيره.. ( قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِ العَالَمينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ ) [الأنعام: 162-163].
وأمْر الرَّب سبحانه شامل للأمر الكوني والشرعي، وكما أن له وحده سبحانه الحكم الكوني القدري، فهو مدبر الكون القاضي فيه بما يريد وحسبما تقتضيه حكمته، فكذلك نوحده سبحانه في حكمه الشرعي فلا نشرك في حكمه أحداً، ولا نشرك في عبادته أحداً ( ألا لَهُ الخَلقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ الله ربُّ العَالَمِينَ ) [الأعراف: 54].
فالحلال ما أحله، والحرام ما حرمه: ( إنِ الحُكمُ إلاَّ للهِ أَمَرَ ألاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ) [يوسف:40]، فلا مشرّع بحق إلا هو سبحانه وتعالى، ونبرأ ونخلع ونكفر بكل مشرّع سواه، فلا نبغي غير الله رباً، ولا نتخذ غيره سبحانه ولياً، ولا نبتغي غير الإسلام ديناً، فإن من اتخذ حَكَماً ومشرّعاً سواه سبحانه، تابعه وتواطأ معه على تشريعه المناقض لشرع الله، فقد اتخذ غير الله رباً، وابتغى غير الإسلام ديناً.
قال تعالى: ( وَإِنَّ الشَيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) [الأنعام: 121].
وقال تعالى: ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ الله ) [التوبة: 31].
كما نوحّده سبحانه في أسمائه وصفاته، فلا سميَّ له ولا شبيه ولا مثيل ولا ندّ ولا كفء: ( قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَد * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوَاً أَحَد ) [الإخلاص: 1-4].
سبحانه تفرّد بصفات الجلال والكمال التي وصف بها نفسه في كتابه، أو وصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته، فلا نَصِفُ أحداً من خلقه بشيء من صفاته، ولا نشتق له من أسمائه، ولا نضرب له سبحانه الأمثال أو نشبّهه بأحدٍ من خلقه، ولا نُلحد في أسماء ربنا وصفاته.
بل نؤمن بما وصف سبحانه به نفسه، وبما وصفه به رسوله عليه الصلاة والسلام على وجه الحقيقة لا المجاز، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل: ( وَلَهُ المَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمواتِ وَالأرضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) [الروم:27] ، فلا ننفي عنه شيئاً مما وصف به نفسه سبحانه، ولا نحرّف الكلم عن مواضعه، ولا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، أو متوهمين بأوهامنا، بحجة التنزيه، فما سلِم في دينه إلا من سَلّم لله عز وجل ولرسوله عليه الصلاة والسلام وردّ عِلم ما اشتبه عليه إلى عالمه، ولا تثبت قدم الإسلام لأحد إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام عِلم ما حُظِر عنه، ولم يقنع بالتسليم فِهْمُه، حَجَبه مرامه عن صحيح الإيمان وخالص التوحيد.
ونؤمن بأن الله أنزل كتابه بكلام عربي مبين، فلا نفوّض علم معاني الصفات وإنما نفوض علم الكيفيات، ونقول: ( ءَامَنَّا بِهِ كُلٌ مِنْ عِنْدِ رَبِنَا ) [آل عمران: 7]، ونبرأ إلى الله من تعطيل الجهمية، ومن تمثيل المشبهة، فلا نميل إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، بل نتوسط ونستقيم كما أراد ربنا بين النفي والإثبات، فهو سبحانه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهٌوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) [الشورى: 11]، فمن لم يتوقَّ التعطيل والتشبيه، زلّ ولم يُصب التنزيه، فنحن في هذا الباب - كما في سائر الأبواب - على ما كان عليه سلفنا الصالح أهل السنة والجماعة، ومن ذلك ما أخبر الله به في كتابه وتواتر عن رسوله عليه الصلاة والسلام من أنه سبحانه فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، كما قال تعالى: ( ءَأَمِنْتُم مَّن فِي السَّماءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرضَ فإذا هِيَ تَمُوُر) [الملك: 16]، وكما في حديث الجارية التي سألها النبي عليه الصلاة والسلام: " أين الله؟ "، قالت في السماء، قال: " من أنا ؟ "، قالت أنت رسول الله، قال: "اعتقها فإنها مؤمنة"(2)، وهذا حق لا مرية فيه عندنا.
ولكن نصونه كما صانه سلفنا الصالح عن الظنون الكاذبة، كأن يُظن بأن السماء تظله أو تقله، فهذا باطل، اضطرنا إلى ذكره ونفيه وتنزيه الله عنه - وإن لم يتعرض له صراحة سلفنا - شغب أهل البدع وإلزاماتهم الباطلة لأهل السنة.
فقد قال تعالى: ( وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمواتِ وَالأرضَ ) [البقرة: 255]، وهو سبحانه: ( يُمْسِكُ السَّمَواتِ وَالأرضَ أَن تَزُولاَ ) [فاطر: 41]، ( وَيُمسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الأرضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ) [الحج: 65]، ( وَمِنْ آياتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ) [الروم: 25].
ونؤمن بأنه سبحانه مستو على عرشه، كما قال تعالى: ( الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ) [طه: 5]، ولا نؤوِّل الاستواء بالاستيلاء، بل هو على معناه في لغة العرب التي أنزل الله تعالى بها القرآن ولا نشبه استواءه باستواء أحد من خلقه، بل نقول كما قال الإمام مالك: (الاستواء معلوم، والإيمان به واجب، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة).
وعلى هذا نُجري سائر صفاته وأفعاله سبحانه وتعالى، كالنزول والمجيء وغيره مما أخبر به سبحانه في كتابه، أو ثبت في السنة الصحيحة.
ونؤمن بانه سبحانه مع استوائه على عرشه وعلوه فوق سماواته قريب من عباده، كما قال سبحانه: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) [البقرة: 186]، وفي الحديث المتفق عليه: " أيها الناس أربِعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً بصيراً قريباً، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته ".
فهو سبحانه مع عباده أينما كانوا يعلم ما هم عاملون، كما قال تعالى: ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [الحديد: 4]، ولا نفهم من قوله: ( وَهُوَ مَعَكُمْ ) مراد الزنادقة من أنه مختلط بعباده، أو حالٌ ببعضهم أو متحدٌ بهم، ونحوه من عقائد الكفر والضلال، بل نبرأ إلى الله من ذلك كله.
وله سبحانه مع عباده المؤمنين معيّة أخرى خاصة غير المعية العامة، هي معية النصرة والتوفيق والتسديد، كما في قوله تعالى: ( إِنَّ اللهَ مَعَ اَّلذِينَ اتَّقَـوا وَالَّذِينَ هُم مُحْسِنُونَ ) [النحل: 128]، فهو سبحانه مع استوائه على عرشه، وعلوه فوق سماواته، مع عباده أينما كانوا يعلم ما كانوا عاملين، وهو قريب سبحانه ممن دعاه، وهو مع عباده المؤمنين: يحفظهم وينصرهم ويكلؤهم، فقربه سبحانه ومعيته لا تنافي علوّه وفوقيتَه، فإنه ليس كمثله شيء في صفاته سبحانه، فهو عليٌّ في قربه قريب في علوّه.
ومن ثمرات هذا التوحيد العظيم الذي هو حق الله على العباد، فوز الموحد بجنة ربه والنجاة من النار كما في حديث معاذ بن جبل، ومنها تعظيم الرب وإجلاله بالتعرف إلى صفات كماله وجلاله، وتسبيحه وتنزيهه عن الشبيه أو المثيل، ومعرفة سفاهة من اتخذوا من دونه أنداداً أشركوهم معه في العبادة أو الحكم والتشريع، وتهافت وسقوط من أشركوا أنفسهم في شيء من ذلك مع أنهم لم يشتركوا في الخلق، ولا نصيب لهم في الملك أو الرزق او التدبير.